الان تقرير كامل عن ال Anonymous والانضمام اليهم

| 0 التعليقات ]

على صوت السيدة فيروز و تحديدا على أنغام أغنية "أديش كان في ناس" يقضي "فكري" ساعة كاملة أمام المرآة كل يوم قبل ذهابه للعمل , يبدل ثيابه و يحلق ذقنه و يمشط شعره إلى اليمين ثم إلى اليسار ثم إلى فوق ليعيده بعد ذلك إلى شكله الكلاسيكي الأول مع فرق بسيط أنه الآن يلمع بفضل المواد المزحلقة التي أضافها مرارا إلى شعره , ثم يرش عطره مع ابتسامه هوليودية تشرق بأمل أن يكون اليوم مختلفا .


لم يكن " فكري "يفهم أبدا سبب عدم انجذاب الفتيات إليه فهو لا يجد في بنيته النحيلة و هيئته الكلاسيكية أية مشكلة , كما أنه يجد نفسه مثقفا و لطيفا مع الجميع و يعرف جيدا أن لديه الكثير و الكثير من الحب و الحنان الذي يكتنزه مذ كان مراهقا و ينتظر اليوم الذي سيتمكن من البوح به .
كيف سيبوح بمشاعره و الفتيات يتعاملن معه و كأنه كتب على جبينه " غير قابل للحب " كما أن "فكري" تخلى عن فكرة البوح بمشاعره منذ زمن و تحديدا بعد جرعة الذل التي تلقاها من الفتاة التي أحبها خلال دراسته الجامعية .
يوم الخميس و كالعادة عاد " فكري" إلى المنزل مساء و تفاجأ بقناع ملون يبتسم له و استغرقه الأمر وقتا ليتعرف إلى أخته " فكرية " المتبرجة استعدادا للذهاب إلى عرس ابنة الجيران التي كما قالت أمه تعرفت إلى خطيبها عن طريق الانترنت .
دخل "فكري" إلى غرفته ,استلقى على سريره و الأفكار تعج في رأسه عن الانترنت و الحياة و أخته التي غيرت من شكلها في محاولة للفت النظر و الإعجاب .
ما هذه الحياة التي نعيش فيها لاهثين لإرضاء غيرنا ؟ تساءل "فكري" ثم نظر إلى حاسوبه و بدأت الأفكار تأخذه أبعد من ذلك , و قال لنفسه : إذا كان الواقع الذي فرض علي و تقبلته أقسى من أن يتقبلني فمرحبا بالوهم الذي أصنعه بنفسي و يتقبلني .... .
و بدأت أفكاره تترجم إلى أفعال , فتح صفحة الانترنت و دخل على موقع الفيس بوك الذي لم يكن يوما يحبه لأنه بالنسبة إلى " فكري" بدون فائدة ,لأن الحساب المهجور الذي أنشأه باسمه و عليه أجمل صوره لا يضم إلا قليل من الأصدقاء يرى معظمهم يوميا في العمل , و لم تكن تأتيه على ذلك الحساب إلا طلبات المساعدة في لعبة المزرعة السعيدة .
ها هو " فكري " يولد من جديد من خلال صفحة " التسجيل في فيس بوك "التي جلس يحدق فيها و يفكر بالقناع الذي سيصنعه لنفسه و يخفي وراءه "فكري " القديم .
كان على "فكري" أن يختار لنفسه اسما جميلا و رزينا و بنفس الوقت جذابا , فوقع الاختيار على اسم " فارس " ثم كتب كلمة السر و هي كالعادة اسم حبيبته أيام الدراسة الجامعية ثم وصل إلى تاريخ الميلاد و سأل "فكري " نفسه : ما هو عمر الشاب المفضل عند الفتيات ؟ أو بالأحرى أي شريحة عمرية سيستهدف "فكري" من الفتيات ؟ و بعد التفكير وجد "فكري" أن عمر (32) مناسب جدا فهو يناسب سن الفتيات المطلوب و ليس قريبا من سن المراهقة حيث أن الفتيات يبحثون عن النضوج و بنفس الوقت ليس بعيدا عن سن الشباب المرح و الأهم من ذلك كله أن الشاب في سن (32) يكون قد خطى عددا لا بأس به من خطوات الألف ميل نحو الزواج .
و قضى " فكري" ليلته كاملة يملأ بياناته الجديدة على الفيس بوك و كان في كل مرة يعرف تماما ما يريد فقد اختار لـ" فارس " اسم عائلة رنان و مهنة مرموقة ذات دخل ممتاز و أسكنه في حي راق , وجعل منه شخصا مثقفا مع مجموعة الكتب متعددة اللغات و المنتقاة بعناية المضافة إلى خانة الكتب المفضلة و التي لم يقرأها "فكري" بل ولم يسمع بها في حياته و لكن الفضل كل الفضل يعود لمحرك البحث "جوجل " صديق المحن و الأزمات .
ليس هذا و حسب , " فارس" ليس شخصا مثقفا راقيا فحسب بل إنه شخص مرح فهو يسمع الموسيقى بأنواعها و يشاهد الأفلام الغربية و لم ينسى "فكري " أن يضيف لائحة الأفلام التي تجعل من "فارس" رومنسيا أيضا و أهمها " Titanic" و " Sweet November".
و لا مانع أيضا من بعض الجمل و العبارات الملائكية لوصف " فارس" أكثر و شرح مبادئه و معتقداته و آرائه السياسية الوردية التي تناسب الجميع .
لقد اكتمل الحساب و أصبح جاهزا للانطلاق و لكن بقي شيء واحد فقط , إنها صورة "فارس" الصورة أهم شيء في الحساب و لكن من أين لـ"فكري" بصورة تكمل شخصية " فارس" ؟ طبعا لا غنى عن صديق المحن و الأزمات " جوجل " للصور و على الفور بدأ "فكري " أو بالأحرى بدأ " فارس " يبحث لنفسه عن وجه , لا يجب أن تكون الصورة لشخص مشهور ويجب الابتعاد عن أبطال المسلسلات حول العالم ويجب مراعاة الصفات الأخرى لـ "فارس" العمر و الجنسية مثلا و بعد بحث مطول وجد " فكري " أخيرا ضالته , حمل "فكري" الصورة و أصبحت وجه " فارس " رسميا و بإضافة كلمة "عازب " السحرية اكتملت شخصيته التي لا يمكن أن تكون حقيقية لأن الكمال لله وحده .
لم ينسى "فكري" يوما زميلة الدراسة الجامعية " سميرة " التي حطمت قلبه و لم ينسى عيناها اللامعتان اللتان لم يدخل " فكري " مجالهما البصري أبدا , و هو الآن لا يعرف عن أخبارها شيئا سوى بعض المعلومات التي يظهرها حسابها على الفيس بوك و هي قليلة جدا على اعتبار أن "فكري" ليس صديقها و لكنه يزور حسابها بانتظام كما يزور الحبيب نافذة حبيبته من بعيد و يكتفي بالتحسر .
ليس بعد الآن ... همس " فكري " و هو يحدق في صورة حساب " سميرة " و يهم بالضغط على خيار إرسال طلب الصداقة و لكن ... لابد للصياد من بعض الرميات التجريبية قبل التصويب نحو الهدف خاصة إذا كان تاريخ الصياد فاشل بامتياز , ثم كيف ستقبل "سميرة" طلب الصداقة و ليس لدى " فارس" أصدقاء آخرين ذلك سيثير لديها الشك .
و بناء على ذلك بدأ "فارس" بالانضمام إلى المجموعات و إضافة الصفحات إلى حسابه و التفاعل مع المجتمع الرقمي و بعد فترة وجيزة أصبح لديه عدد من الأصدقاء من الجنسين وبات شخصا طبيعيا يحصل على طلبات صداقة و يتلقى الرسائل و تعليقات الإعجاب و كمية لا يستهان بها من الـ"أعجبني" على كتاباته كما كان يحلم تماما.
و بعد عدة أيام قرر" فكري " إرسال طلب الصداقة إلى "سميرة " مع عبارة رقيقة تمتدح صورتها على الحساب , كان متوترا و متحمسا جدا لدرجة أنه أرسل الطلب و جلس ينتظر القبول محدقا في حاسوبه و بعد نصف ساعة من الانتظار قرر أن يترك الأمر لليوم التالي .
لم تمر لحظة في حياة "فكري" أسعد من اللحظة التي قرأ فيها أنه و " سميرة " الآن أصدقاء , سارع إلى صفحتها ليعرف أكثر عن شخصيتها و هواياتها و ما تحب و تكره و بدأ يقرأ كتاباتها و يتصفح صورها بتمعن و فاجأه عدد صورها الكبير و عدد أصدقاءها الخيالي .
و بعد انتظار دام ساعة على الأقل ظهرت " سميرة " بين المتواجدين على الدردشة, و بدأ قلب "فكري" يخفق واحمرت أذناه بينما كانت يداه هائمتان فوق لوحة المفاتيح تبحث عن أجمل و أرق تحية قد يبدأ بها " فارس" حديثه مع حبيبته و كم كانت عبارات " سميرة " لطيفة و ناعمة و محببة إلى قلب "فكري" الذي حملق بكل حرف كتبته "سميرة " لدرجة أنه كان قادرا على سماع رنين صوتها تتحدث إليه .
و مرت الأسابيع و كأنها لحظات قضى "فكري" أو بالأحرى " فارس" فيها أجمل أوقات عمره أمام حاسوبه , فلم يكن الفيس بوك يوما رائعا إلى هذه الدرجة , و لم يرى أجمل من تلك البقعة الخضراء جانب اسم "سميرة " تنبئ بوجودها على الدردشة ليقضي معها ساعات طويلة يبث إليها حبه الذي خبأه لها دائما .
وصل " فكري" إلى طريق مسدود , فقد كان الأمر في بدايته رومنسيا و رائعا جدا عوض "فكري" و لو جزئيا عن سنوات القحط العاطفي التي عاشها و لكن الموضوع برمته لم يعد لعبة أبدا , لأن "فكري" بدأ يغرق في حبه يوما بعد يوم و يتحول إلى عبد حقيقي لـ" فارس" الذي يفترض به أن يكون صنيعته , لقد سلبه " فارس" كل شيء فهو لم يعد يرى عائلته و أصدقائه, و لا يستطيع التركيز بسبب السهر كل يوم , حتى أنه أوشك على فقدان عمله بسبب التأخير اليومي و الأسوأ من ذلك كله العذاب النفسي الذي يعيشه " فكري" بسبب انفصاله إلى شخصين أحدهما وهمي سينكشف في أية لحظة و الآخر مدمر كليا .
يجب أن أواجه الواقع .. قال " فكري" وهو يسجل الدخول و يتحول إلى " فارس" , حيث أن لديه اليوم موعد مع " سميرة " قرر من خلاله أن ينهي عذابه و يكشف قناعه , و بعد حديث طويل أكدت فيه "سميرة " أنها تحبه لشخصه الكريم و ليس لصورته , طلب أن يلتقي بها وكانت المفاجأة أنها وافقت بسهولة على غير عادة الفتيات بل و شجعت على الفكرة بعد أن رفضت لعدة مرات الحديث على الهاتف , و ككل القصص الرومنسية الكلاسيكية اتفق " فارس" و "سميرة" على اللقاء في إحدى الحدائق الشهيرة و على مقعد شهير لدى الشبان و أيضا تفاجأ بأن سميرة تعرفه جيدا و أصر " فكري" على أن يحمل وردة حمراء على الرغم من أن "سميرة " لم تجد لها داعيا لأنها تعرف صورته جيدا .
جاء اليوم الموعود ....و بذل "فكري" جهده ليبدو بأبهى حلة و انطلق إلى الحديقة بشوق كبير يشوبه قلق أكبر من فشل جديد , و عندما وصل إلى المقعد رأى شابا يافعا في الـ(17 ) تقريبا من عمره يجلس على المقعد يبدو أنه هو الآخر ينتظر حبيبته .
اقترب "فكري" من الشاب و بيده الوردة الحمراء و حاول بأسلوبه اللطيف اقناعه بالمغادرة لكن الشاب رسم على وجهه بسمة بلهاء و بدا مستغربا و رفض المغادرة و كان يحدق في وردة " فكري" ببرود ثم أثار غضب " فكري" أكثر عندما وعده بالمغادرة إن هو أخبره باسم حبيبته و لأن الوقت لا ينتظر وقد تصل " سميرة " في أية لحظة قال " فكري" مسايرا .... "سميرة " , و عندها انفجر الشاب بالضحك مما زاد من غضب " فكري" الذي أوشك على ضرب الشاب ثم سمعه يقول :
أنت "فارس" ؟؟!!!! أنا " سميرة " .... و عاد للضحك .. انتظر لا تغضب .....سأحكي لك القصة ..... " سميرة " بنت جيراننا .... حصلت على صورها من حاسوبها عندما أصلحته لها ....هي لا تجيد استخدام الفيس بوك و لا تحبه .... كنت أتسلى فحسب ...أنت طلبت صداقتي .. أنا آسف ....
شعر " فكري" بأن وجهه يحترق و أن الدنيا تدور من حوله لأن ما حصل أسوأ بكثير من أسوأ سيناريو توقع حدوثه , ترك الشاب يتكلم و مشى مبتعدا عنه و كانت آخر جملة سمعها من الشاب :
" لا يحق لك أن تغضب أنت أيضا كذاب "
منذ ذلك اليوم تغير " فكري " كثيرا و فقد الكثير من مبادئه في الحياة , أصبحت نظرة الشك تعلو عينيه دائما و لم يعد يثق بأحد و لا حتى بنفسه و ذكائه و بات لا يصدق شيئا حتى يراه بأم العين , قطع علاقته نهائيا بالفيس بوك و أعدم "فارس" إلى غير رجعة .
و بعد فترة من الزمن , قرر " فكري" الزواج و طلب من أمه المساعدة في انتقاء عروس له , لم تكن لديه أية شروط في العروس إلا إجابة بالنفي على سؤال وحيد :
" هل كان لديك يوما حساب وهمي؟؟؟؟؟ "


التعليقات : 0

إرسال تعليق


أخي الكريم، رجاء قبل وضع أي كود في تعليقك، حوله بهذه الأداة ثم ضع الكود المولد لتجنب اختفاء بعض الوسوم.
الروابط الدعائية ستحذف لكونها تشوش على المتتبعين و تضر بمصداقية التعليقات.

المشاركات الشائعة